نبض الشارع
سجل و تمتع بخدمات موقعنا
ملاحضة
عملية التسجيل سهلة جدا فقط اسمك و ايميلك و رقم سري

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

نبض الشارع
سجل و تمتع بخدمات موقعنا
ملاحضة
عملية التسجيل سهلة جدا فقط اسمك و ايميلك و رقم سري
نبض الشارع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
kingsam
kingsam
11
11
عدد المساهمات : 717
ذهب : 1682
تقييم المشاركات : 6
تاريخ التسجيل : 08/11/2009

تاريخ الاردن وعشائره Empty تاريخ الاردن وعشائره

الجمعة سبتمبر 02, 2011 4:42 pm
تاريخ الاردن وعشائره

انتهى الكاتب الاردني النائب السابق الدكتور احمد عويدي العبادي من كتابه الجديد الذي يتحدث فيه عن تاريخ الاردن وعشائرة ، ضمن سرد تاريخي بعيدا عن الملل والرتابة ، يبرز فيه تاريخ الاردن الضارب بالحضارة العربية والاسلامية .

ويقول العبادي : " عندما تحدث جلالة الملك عبدالله الثاني امام قادة القوات المسلحة الاردنية الباسلة قبل اكثر من شهر وهو يرد على المشككين بوجود الاردن وكيانه وتاريخه ومستقبله وهويته , ووصف جلالته مثل هؤلاء انهم لم يقراوا تاريخ الاردن والاردنيين ولم يعرفوا الاردنيين وعليهم ان يعرفوا ليكفوا السنتهم . كانت ردود الفعل الاعلامية والسياسية نمطا من الفزعة الخاوية من الفكر بعيدا عن المفهوم الذي اراده جلالة الملك .ولم يتحرك سياسي واحد او مؤرخ لفهم ما اراد جلالة الملك وتحويله الى كلام تاريخي وسياسي قائم على الدليل والبرهان .
واضاف ان هذا العمل جاء ترجمة لرسالة جلالة الملك . وان المشككين بالاردن وجودا وتاريخا وحاضرا ومستقبلا وكيانا وهوية لم يقراوا تاريخ الاردن والاردنيين ولم يعرفونا وان ماقاله جلالة الملك هو سر الموضوع برمته .
في هذا الكتاب يقدم د . احمد عويدي العبادي الدليل التاريخي منذ خمسة الاف سنة على وجود الكيان الاردني والشعب الاردني والهوية الاردنية منسجما مع فكر جلالته في هذا السياق وتاركا التهريج واللغو لاهلهما لانه ليس من اهلهما .
وبالاتفاق مع الكاتب تنشر " السوسنة " الكتاب على حلقات متتالية :


توطئة / الباب الاول
لا مناص من الإشارة إلى واقع قد يبدو مُرَّاً للبعض، وحلواً للبعض الآخر ـ وهو أن الحديث عن الأردن يتميَّز بأمرين قد ينفرد بهما عن سائر أقطار المنطقة العربية برمتها ، وهما:
1. أنه كان قديماً أرضاً للصراع والنزاع بين الدول والحضارات، ومن ثم صار في كثير من الحقب مركز تمازج وتزاوج او تنافر بينها , كما كان مركز طرد تارة ومركز جذب تارة اخرى للمجموعات السكانية من اهله و/ او من الوافدين اليه . وقد ادى هذا ايضا الى وجود كثير من التجاذبات المترتبة على وجود التناقض في الاحتلالات والاختلالات التي تعتري البلاد واهلها , مما اثرى تنوع الثقافة الفسيفسائية لاهل البلاد وجعلها احيانا متبايتة .
2. والنقطة الثانية ان الاردن صار موضع الجدل السياسي والاكاديمي في العصر الحديث. فاحتدم الخلاف حول هويته وتاريخه وحدوده ووجوده , بين قائل بانكار هذه كلها في التاريخ السياسي والجغرافي والحضاري سابقا ولاحقا ، وآخر مثلي ( ومدرستي ومنهجي ) يرى عكس ذلك تماماً. فاما المنكر لنا فهو الذي لم يكلف نفسه عناء البحث العلمي والتاريخي , وتميز قلبه مرضا وغيضا بحيث يضع راسه في الرمال امام الحقائق التي اثبتت باننا وطن وشعب يتقدم على كثير من الشعوب والاوطان على وجه الكرة الارضية تجذرا واهمية وارضا . كما ان المنكر لنا يريد كل شيء جاهزا له ليقتنع ولكنه لن يقتنع . واما من هم من مدرستي ومنهجي فاننا نعتمد البحث في اعماق التاريخ فعثرنا على كنوز تتحدث عن الاردن اسما وهوية وارضا وشعبا واهمية دينية وسياسية واجتماعية وثقافية منذ الاف السنين وهو ماسنراه في هذا الكتاب ان شاء الله .
وقد ولَّد هذان الأمران نمطاً من الثقافة السياسية في وصف الكتابة المعاصرة عن الأردن، أو التعبير عن حبِّه أنه ضرب من الجنون والوهم السرابي ، والعصبية القبلية , والتخلف والتقوقع والعنصرية , والعداء لما يسمى بالوحدة الوطنية , وترتب على ذلك سيادة مفهوم قمعي في أن أيَّ شخص يكتب عن الأردن بالصورة المغايرة للمفهوم المعادي المنكر لمفهومنا ومنهجنا أعلاه، يتعرض لاغتيال الشخصية من اصوات الفجار , وكنت واحدا من هؤلاء الضحايا .

معاهدة سايكس- بيكو
ويروق الحديث للجهلة والاعداء ومن في قلوبهم مرض , بقولهم ان الاردن هو قطعة حلوى تم ابتداعها للوجود على طاولة سايكس / بيكو وبجرة قلم منهما , ولا ينظرون الى ان هذا القلم الانجلو/ فرنسي كان ابتدع ايضا في تلك المعاهدة بلدانا اخرى غير الاردن وكل رضي بوطنه , الا نحن محرم علينا ان نرضى به او نتحدث عنه , حينها نصبح ووطننا صنيعة سايكس/ بيكو ودعاة للعنصرية والتخلف وصنائع الاستعمار, واما غيرنا فهم وطنيون وشرفاء وصنائع التاريخ الماجد المجيد .
وللحقيقة التاريخية ان الاردن هو اكثر البلدان تضررا من هذه المعاهدة المشئومة التي اقتطعت مايزيد عن نصف مساحته الحقيقية والتاريخية واعطتها لقمة سائغة لاربعة بلدان مجاورة واخرى خامسة غير مجاورة . وبالتالي فان الاردن الحالي ( وليد سايكس / بيكو ) هو اقل من نصف مساحة الاردن التاريخي والحقيقي . فقد ابرزت هذه المعاهدة الجزء الشرقي من الاردن : وهو شرق الاردن Trans -Jordanواقتطعت شماله وغربه وجنوبه وشرق شرقه (اقول شرق شرقه) وشماله الغربي الى البحر الابيض المتوسط, . والاردن بدون سايكس بيكو يمتد على بحرين هما المتوسط والاحمر ويصل الى قريب من نهر الفرات ولا يخلو من احواض النفط , ويمتلك اكبر حوض مائي عذب في شمال جزيرة العرب , ولكن مع سايكس بيكو صرنا بهذا االوضع الذي نحن فيه من اقتطاع مواردنا واراضينا ومياهنا وبحارنا وانهارنا وبحيراتنا الاردنية وبترولنا . وقد فصلنا ذلك بالخرائط في كتابنا : الاردن في كتب الرحالة والجغرافيين المسلمين من 1500 ق. م ---1881 م منشورات الدار الاهلية / عمان
اذن نحن الاردنيين اكثر الشعوب والانظمة تضررا من معاهدة سايكس بيكو , ونحن اولى الناس برفضها لانها رفضت هويتنا الاردنية على اساسها التاريخي والحقيقي وابرزتها مجتزأة .
ومن التباين بين المدرستين ان مدرستي ترى ان حب الاردن لاينطوي على اي كره للاوطان والشعوب الاخرى او لاي منها , واما المدرسة المناقضة لمدرستي فترى ان حب الاردن يعني بالحتمية كره سائر الاوطان والشعوب , وان كرههم للاردن يعني بالحتمية حب الاوطان والشعوب الاخرى , بل ان هذا الحب عند البعض لايكون الا بكره الاردن واهله . مدرستان متباينتان ولكنهما موجودتان على ارض الواقع وفي جميع الاوساط والاطياف والاتجاهات في داخل الاردن وخارجه . وياتي هذا الكتاب انتصارا لمدرستي ومنهجي العلمي التاريخي ضمن دراسة علمية , لنرى ماذا ستقدم لنا المدرسة الرافضية سوى الشتائم والصياح وهي لاتساوي شيئا ولا تصمد امام الحقائق والفكر الذي نقدمه نحن .
وصحيح أنني أحد الذين دفعوا ثمن ذكر الحقيقة والتمسك بها في دفاعي عن الأردن، وخالفت التيار السياسي والاجتماعي العام الذي لا يريد الحديث عن الأردن واهله إلا ضمن أُطُرَ (مفردها إطار) محدَّدة، لا يجوز الجنوح عنها يمنة او يسرة . الا ان الكاتب الصادق الملتزم هو صاحب رسالة وعليه أن يواصل رسالته، ويجاهد ويضحي من اجلها , حتى ولو دفع ما دفعته من الثمن الباهظ لقاء الالتزام بهذه الرسالة الوطنية والتاريخية . فاصحاب الرسالات الدينية والسياسية والنضالية لايدخلون التاريخ الا من خلال ثباتهم على المباديء وتقديمهم للتضحيات . وان دماء التضحيات هي مداد التاريخ من نور لايغطيه ظلام المطايا ولا ظهور السكارى من النكرات والحاقدين . ومن عظيم التزامي برسالتي الدينية والوطنية أنني كتبت هذا السفر التاريخي وأنا في السجن ، في ظروف تتميز بِشُحٍّ أو انعدام المصادر والمراجع،من جملة ماتتميز به من سلبيات اخرى . ولكنني حاولت ماوسعني الجهد تنشيط مخزون ذاكرتي لما سبق وقراته وحفظته عبر عمري كله وانا قاريء نشيط واتاني الله من الذاكرة والحفظ مايساعدني على الكتابة وتذكر ادق التفاصيل والنصوص في اسوا الظروف ولو بعد حين طويل من قراءتها .
وحيث ان الشيء بالشيء يذكر , فانه سيصدر لي ( لاحقا ) ان شاء الله كتاب بالعربية والانجليزية عن ظروف سجني ومذكراتي بالسجن , وسيكون ان شاء الله تعالى بعنوان
دولة في مواجهة رجل ( بالعربية )
واما بالانجليزية فسيكون بالعنوان التالي :
A State Facing a Man

الخيل والليل والبيداء تعرفني = والسبف والرمح والقرطاس والقلم
ان اهمال الاردن في التاريخ في كثير من الحقب الزمنية لايعود الى غيابه عن التاريخ واحداثه حقيقة ولا خروجه منهما , ولا الى انعدام مجريات التاريخ واحداثه على ارضه وفي اهله , ولا الى خلوه من صناعة التاريخ وصناع التاريخ , وانما يعود الى غياب التدوين / اي غياب القلم , والى القلوب التي فيها مرض اسمه كره الاردن والحقد على اهله عبر التاريخ ومنهم العباسيون وغيرهم على مر العصور . وفي غياب الاهتمام الرسمي بتاريخ الاردن الحقيقي , فان من يريد البحث في تاريخ هذا البلد الطيب عليه ان يقوم بالمهمة بمجهوده الشخصي , وعليه ان يجمعه من الشذرات والزوايا والمصادر المتفرقة , مما يحتاج بالتالي الى مزيد من البحث والوقت والتاني والامانة والمصادر . فقد استغرق ( مثلا ) جمع المواد اللازمة لكتابي : الاردن في كتب الرحالة والجغرافيين المسلمين 27 سنة حتى صدر في عام 2007 ( مجلدان قوامهما 1008 صفحات ) .
ارض بلا شعب ؟
ومن مهماتنا هنا ان نذكر مايقال ضد الاردن واهله والرد عليهم بالحقائق والتحليل والمنطق والحجة بعيدا عن التشنج والسطحية .
فمثلا : ظهرت مقولة أو نظرية معادية للاردن أشار إليها الرحالة الإنجليزي (ترتسترام) Tristram الذي تجول في بلادنا عام 1872 مفادها أن الأردن أرض بلا شعب No man's Land لتكون لشعب بلا أرض For People without Land، ورغم أنه اعترف في نهاية المطاف بعدم مصداقية هذه المقولة، إلا أنها بقيت لاصقة بهذه البلاد إلى يومنا هذا وإن اختلفت التعبيرات عنها، وذلك:
أولاً: بقولهم أن الأردن عبارة عن صحراء قاحلة: وأنها كانت مسرحاً لقبائل بدوية متنقلة تفد إليها من سوريا وفلسطين ومصر وجزيرة العرب والعراق، وبالتالي فهي بلاد بلا أهل . وهناك فرق بين اصطلاح : مسرحاً لقبائل بدوية متنقلة تأتي من الخارج،وارض بلا شعب او بلا اهل من جهة , واصطلاح: أهل الأردن أو أن للأردن أهل.
وإن القارئ لكتب المؤرخين والجغرافيين المسلمين , يجدهم قد ردّوا على هذه المقولة منذ ألف سنة ويزيد عندما ذكروا اصطلاح: أهل الأردن، فالأهل تعني أنهم السكان الأصليون المتجذرون في هذا البلد أو ذاك. وأما كلمة مسرحاً لقبائل جوالة أو متنقلة nomads فتعني أنهم لا يرودونها إلا طلباً للماء والكلأ، أو الهروب من الثأر أو من قانون الإدارة في الأقطار المجاورة في العراق وسوريا وفلسطين ومصر, وبالتالي فهي ليست ديارهم وانما ممر لهم عبرها من الخارج واليه
وقد ذكر ياقوت الحموي في الجزء الأول من معجم البلدان ما قاله الشاعر حول دعم أهل الأردن لمروان بن الحكم في قتاله مع الضحاك بن قيس القهري إذ يقول:
لولا الإله وأهل الأردن اُقْتُسِمَتْ
نار الوقيعة يوم المرج نيرانا

والمرج هنا هو مرج براهط قرب دمشق الذي وقعت فيه معركة بين مروان والقيسية أدت إلى انتصار الأول رغم أن جيشه لم يتجاوز عشرة آلاف مقاتل جلهم أو كلهم من أهل الأردن , وتغلّبوا على جيش الضحاك بن قيس الذي كان يفوقهم عدداً بحوالي أربعة أضعاف.
وتجدر الإشارة أيضاً أن كثيراً من أسماء العشائر الأردنية بقيت تتردد عبر المصادر التاريخية في الجاهلية والإسلام والعصور الإسلامية الوسيطة والحديثة، وأنها على أرض الأردن، وبالتالي فأن من يعيش عشرات القرون أو آلاف السنين على أرض لا بد أن يكون من أهلها. وليس مسرحاً لتجواله، ومن ثم مناورته على جناح السرعة عندما ينضب الماء والكلأ.
فمثلاً نجد اسم جذام وقضاعة وبني سليح وبني عاملة وبني كندة والغساسنة، وبهراء ولخم وبني كلب عشائر اردنية منذ العصور الموغلة في القدم . فجذام قوم شعيب عليه الصلاة والسلام الذي جاء بعد سيدنا إبراهيم، ومنهم بني صخر، وبني حميدة، وبني عجرم، وبني عباد. وبني عقبة ( العمرو )= أي الصخور والحمايدة والعجارمة وعباد والعمرو .
ويشير ابن بطوطة في رحلاته إلى نافل او نافع العجرمي كان اميرا للبلقاء قبل سبعة قرون، دون أن يذكر الزمن الذي تجذّر قبل ذلك في الإمارة، ولا زال اسم النوافعة والعجارمة موجود إلى الآن. وتشير وثائق سرجون الثاني عام 715 ق.م إلى شنه حرباً على بني عباد في مناطق جنوب الأردن الحالي، وخوض شيخ البدو المدعو عباد / ابن عباد معركة ضد اليهود عام130 قبل الميلاد في مرج هيرموكس الذي أصبح فيما بعد مسرحاً لمعركة اليرموك. وتشير الخرائط الإسلامية إلى وجود العدوان في الأردن منذ حوالي ألف سنة بما يدحض ما يقال أنهم وفدوا إليه في القرن السابع عشر.
نخلص من هذا أن هؤلاء الناس، وهذه القبائل، ما ذكرته أمثلة فقط، هم من أهل الأردن، ولكن طبيعة الدولة الإسلامية عبر مراحلها كانت تسمح لهذه القبائل بالتنقل إلى الأقطار المجاورة لأسباب كثيرة، نذكرها فيما بعد إن شاء الله. ثم تعود بعد برهة من الزمن أو أجيال، فيتحدث المؤرخون أو الناس عن العودة الأخيرة دونما أية إشارة إلى ما كان قبلها من وجود هؤلاء الناس في الأردن.
وإذا تحدثنا عن الحويطات فإنهم أبناء وأحفاد الأنباط، واستمروا في الحياة على الارض الاردنية , ولكن ضمن خط البداوة في صراعهم من أجل البقاء بعد القضاء على دولتهم في عام 106م كما سيأتي تفصيلا بإذن الله.
فالأردن إذن ليس صحراء قاحلة ومسرحاً للقبائل الغريبة او العابرة ، بل إن العشائر الأردنية قاومت دخول قبائل قوية مثل عنزة، ومن فروعهم الرولة، من دخول الأردن، وبقيت براهين على هذا الصراع، نراها بوجود عائلات وعشائر من عنزة أصلاً انضمت لعشائر أردنية، ضمن الحويطات وبني صخر، وعباد. وعشائر شمال الأردن. والأمر نفسه ينطبق على شمَّر التي نجد لارتيادها الأردن براهين بوجود بقايا منهم ضمن عشائر عباد وبني صخر وعشائر السلطية وعشائر الكرك ومعان .وفي هذا السياق فان التاريخ يذكر بكل الاجلال والاحترام دور المغفور له الشيخ طراد بن زبن في حماية الاردن من الاحتلال القبلي الخارجي , ويسجل للمغفور له الشيخ عودة ابو تايه في كف يد الغزاة من القبائل الخارجية من ان تحتل الاردن ايضا . وقد تالق الزعيمان الشيخ طراد والشيخ عودة عندما تحالفا معا في هذا الاطار ضمن مفهوم وطني عميق لم يدركه حتى الساسة في العصر الحديث .
ولتوضيح الأمر أكثر من ذلك، فإن مثل هذه الجيوب التي اندمجت وذابت في العشائر الأردنية طلباً للحماية , قد تكون وفدت أيضاً من عنزة أو شمر أو نجد أو بني تميم بسبب ثارات ارتكبوها أفراد هربوا إلى الأردن ووجدوا الأمن والحماية ضمن عشائره القوية وغيّروا هويتهم العشائرية ضمن القانون العشائري الذي كان سائداً آنذاك وهو "ذبح شاة الروك" وهي عهد بين الطالب للحماية والمانح لها، ويصبح له ما للأردني، وعليه ما عليه.
وفي الوقت الحاضر نجد أن بعض هذه الجيوب أو العائلات أو العشائر قد أعلنت انفصالها عن العشيرة التي وفرت لها الحماية عبر أجيال وقرون، وذلك لأن قانون الأمن والحماية صار من مهمات الدولة , حيث يفترض ان يتساوى الجميع، ولم يعد الامن والجماية من مهمات العشائر الا في نطاق محدود ، ولم يعد الشخص بحاجة إلى عشيرة تحميه بالمصطلح السابق وإنما إلى القانون والمحاكم فقط.
وأما اصطلاح صحراء قاحلة في وصف الأردن بذلك ، فإن بعثة الآثار التابعة لجامعة أكسفورد البريطانية، والتي جاءت قبل حوالي قرن من الزمان ( في مطلع القرن العشرين ) واستمرت لعامين وهي تقوم بالمسح الميداني على مدى عامي 1927 و1928، في شمالي جزيرة العرب والأردن، وخلصت بنتائجها إلى تقرير وضعه المستر هنري فيلد Henry Field عن أعمال هذه البعثة قال فيه:
"أن الظواهر الأركيولوجية (أي مظاهر سطح الأرض) والجيولوجية (وهي تكوين سطح الأرض) تدل على أن البادية كانت في زمن من غابر الأزمان خصبة التربة غزيرة المياه حتى أنها لتحول عدداً كبيراً من البداة (أي البدو) المستقرين في أزمنة ما قبل التاريخ".
ولا بد من الإشارة هنا أن البادية التي تحدث عنها التقرير إنما تعني البيئة العامة، والأماكن الموجودة التي زارتها البعثة وهي قصر البرقع في البادية الشمالية الأردنية إلى الشمال الشرقي من صوفة ودوّارة (الأجفور) وباير في جنوب الأردن، وقصر الأزرق إلى الشمال الشرقي عن عمان العاصمة، وطريق عمان بغداد التي تمتد قرابة أربعمائة كيلو متر داخل الحدود الأردنية.
عثرت البعثة البريطانية المذكورة على أحجار صوانية مشذبة بأيدي بشرية، تعود إلى العصور الحجرية وهي دليل على وجود الإنسان في تلك الأزمنة، في هذه المناطق التي توصف الآن أنها صحراء، أو بادية، وتوصف أنها خالية من الشجر والماء والبشر إلا بعد أن وطدت الدولة أركانها، ونشأت مراكز تجمعات بشرية وصلت إليه خدمات الماء والهاتف والكهرباء والمواصلات، ومن ثم وسائل الحضارة الحديثة.
الاستقرار عبر التاريخ في الاردن
ما كان الإنسان الأول ليعيش في هذه البادية، لولا توفر العناصر التالية:
1. العنصر الأول هو الماء لأنه أساس الحياة، وبدونه فإنه لا حياة لبشر ولا حيوان ولا شجر ولا زواحف .
2. الكلأ والطعام: أما الكلأ فهو للماشية وهي عماد حياة الإنسان في العصر القديم بعد أن تمكن من تدجينها ، وأما الطعام فيتمثل بالالتقاط والصيد والذي لا بد أنه كان وافراً في تلك البيئة.
3. أن التصحّر لم يكن مهيمناً على كل البادية أو الأجزاء الشرقية من الأردن، وكما قالت البعثة كانت تتوفر المياه التي لا بد وكانت على شكل تجمعاتها في أحواض طبيعية وفي تجاويف صخرية، وقيعان (مفردها قاع)، وينابيع وسيول من النمط الذي ألفناه في الأردن. وهو أن الماء يجري في الوادي في فصلي الشتاء والربيع بسبب ماكان من غزارة الأمطار، ثم يغور وسط الحصا والتربة الرملية في ذات المجرى، ولا يحتاج الإنسان لاستخراجه أكثر من الحفر لقدم أو بضعة أقدام ليجد الماء يسيل في الرمال أو تحت الحصى. وهذا أمر خبرته بنفسي ويعرفه من عرف البيئة الاردنية .
4. وفرة الإنتاج الكافية للحياة والتكاثر والتجوال في منطقة محددة لعدة قرون بسبب توفر أساسيات الحياة في الصراع من أجل البقاء، ومن هنا فإننا، وببساطة نتخيل وجود الحيوانات البرية كمادة رئيسية للصيد، والأليفة كمادة لاستمرار العيش ، وأيضاً الأشجار والثمار والأعشاب.
لم تقتصر مثل هذه الحجارة التي كانت أدوات الإنسان في العصر الحجري، أقول لم تقتصر على البادية الشرقية، بل وإن الرحالة الإنجليزي داوتي C. Daughty قد وجد مثل هذه الحجارة في جبال الشراة التي تمتد من وادي الحسا إلى جنوب رم وحسمى وسرغ (أي المدورة الحالية).
5. أدى هذا إلى نمط من شبه الاستقرار أو التجوال المقيَّد في مناطق البادية الأردنية بسبب وفرة أساسات الحياة وضوراتها بمفاهيمهم في تلك العصور الغابرة وهي ثلاثة. الماء والغذاء والكلا والأمن والحماية.
ولكي تتحقق الحماية هذه، ولكي يزيد في الإنتاج نجد الجدران الحجرية ـ السلاسل، والأسوار البدائية المنتشرة في سائر أنحاء البادية كدليل أن الإنسان في العصور القديمة حاول تطوير الزراعة، وتوفير الحماية لمواشيه من الحيوانات المفترسة. وحماية نفسه من الغزاة من هنا وهناك.
6 . أن النتيجة التي يمكن لأي باحث أن يخرج بها هي أن البادية الأردنية التي يعتبرها البعض صحراء قاحلة كانت من تلك العصور الغابرة آهلة بالسكان، قبل اثني عشر ألف سنة أي منذ العصر النيوليثي Neolithic وما قبله في العصر الحجري ليس هذا فحسب بل أن مثل هذه الحجارة التي تدل على توفر سبل الحياة والماء والكلأ والغذاء في هذه البادية ظهرت في منطقة باير، ولدى تفحص الحجارة التي عثر عليها هناك وجد العلماء أنها تعود إلى ما يزيد على أربعمائة ألف سنة. كان الإنسان في هذه البقاع التي تعتبر لدى البعض أنها صحراء قاحلة.
إن مثل هذه الآثار، وهذه الأحجار القديمة جعلت المستر فيلد (جامعة أكسفورد المشار إليه أعلاه) في تقريره إياه يقول: "أعتقد أن شمالي بادية العرب تقع على إحدى الخطوط الرئيسية للهجرة بين الشرق والغرب، وأن مواطن ما قبل التاريخ تمتد من شمالي شرقي البحر الاحمر إلى الصين"( والاردن مشمول بهذا النص ) .
قد لايكون من المصادقة الاستدلال بما نشره المستر أولمستد في كتابه تاريخ فلسطين وسوريا، 1931م، ص28. Olmstead: History of Palestine and Syria, 1931, P.28.
إذ يقول: "إن بقايا أبنية ما قبل التاريخ الواقعة على مقربة من عمان تدل على درجة الحضارة في تلك العصور العريقة في القدم. بل إنه يظهر من هندستها ما بلغ إليه القدماء من فن التحصين. إذ أن مداخل تكل الأبنية قد شيّدت بشكل يجعل الكتف الأيمن للعدو المهاجم مكشوفاً، وهو الكتف الذي لا يقبعه ترس المحارب، أقول يجعله عرضة لسلاح المدافعين"
6. ومع الاستقرار وتوفر سبل الحياة أدى ذلك إلى ما يمكن اعتباره ازدهاراً بمفهوم ذلك الإنسان القديم، وتوسَّعت حاجاته، واتصالاته في الأمر نفسه وفي الوقت نفسه ، فظهرت بذلك مفاهيم تبادل البضاعة مع المجموعات الأخرى حسبما تقتضيه الحاجة بدل القتال والدماء. وصارت الأردن معبراً للقوافل التجارية بين الحاجة لمنتوجات اليمن والشرق من جهة ، وحاجات الغرب وأمواله من جهة اخرى . مما زاد الازدهار والقرى والسكان إلى درجة حيث ذكرها الله سبحانه في القرآن الكريم : " لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21" [سبأ:15-21].
وتعني هذه الآيات الكريمة باختصار أن الله سبحانه جعل ما بين مملكة سبأ اليمنية في جنوب جزيرة العرب , وقرى بلاد الشام ومنها قرى الأردن في بلاد الهلال الخصيب شمال جزيرة العرب , طريقاً آمناً ليلاً نهاراً، يتوفر الماء والشجر والظل الظليل والهواء العليل على طولها , يقيلون (ظهراً) في قرية، ويبيتون (ليلاً) في قريةاخرى تليها, فلا يحتاجون إلى حمل الماء والطعام لتوفره بين الظهيرة والعشاء، وكانوا يسيرون للتجارة عبر هذه القرى، ولهم على هذه الحال من تيسير الأمور من اليمن إلى الشام. لا يروّعهم وحش الفلاة، ولا قطاع الطرق، لأن كلمة آمنين تعني الأمن هنا على إطلاقه.
ولكنهم طلبوا الله سبحانه أن يباعد بين أسفارهم، وأن يجعلها مفازات ليتطاولوا على الفقراء بحمل الماء والزاد وركوب الرواحل. وبذلك بطروا النعمة، واستحقُّوا عليها النقمة , فظلموا أنفسهم بالكفر والبطر، فصب عليهم ربك سوط عذابه ومزّقهم شر ممزق , إذ فرّقهم في البلاد، فصاروا أحاديث للناس عبر التاريخ. وهذه نتيجة كل من يقابل النعم بالمعاصي عبر التاريخ وفي كل الامم .
وبالدعوة بمباعدة الأسفار ذهبت قرى كاملة بالهلاك، وتحوَّلت إلى مراكز طرد، فتحرك السكان في هجرة إلى حيث كانت سبل الأمن والحياة. جنوباً إلى الحجاز أو شمالاً إلى سوريا أو غرباً إلى فلسطين ومصر أو يمنة ويسرة في الديار الأردنية. فالإنسان بطبعه دائم البحث عن البقاء والحياة وامن والطعام .
تحولت بعض القرى إلى أماكن دارسة وأصبحت عرضة عبر القرون والعصور إلى السواقي والرمال وهدم الجدران والبنيان، فمنها ما صار في بطن الأرض تدل عليه كومة أو أكمة من التراب، أو طرف سور أو جدار, ومنها ما صار خراباً وموئلاً للبوم والافاعي والجراذين والوحوش البرية. وساد التصحّر والصحراء بدل المطر والخضراء، وهيمن الخوف بدل الأمن. واندثر السكان بين موت وهجرة وتناقص في التكاثر أو بحث عن مواضع وديار أخرى.
وعن هذا يعبّر المستر لانكستر هارونج مفتش (إنجليزي) مفتش آثار شرق الأردن فيما بين 1936-1956 وترجمه سليمان موسى وعنوانه الإنجليزي: The Antiquities of Jordan, by G. Lankester Harding, Bwkhshed by Lutterwexth press, London, 1967.
يقول المستر هارونج "وهناك مئات من المواقع الأثرية القديمة، التي لم يرد ذكرها في الكتاب، ولكنها من نوع الأماكن التي نردها إلى عالم الآثار، فضلاً عن صعوبة الوصول إلى معظمها، حيث لا يوجد ظاهراً للعيان في كثير منها سوى القليل من الشقف الفخارية"، ص11 الطبعة الثانية، 1971.
7. إذن لم تكن الأردن أرضاً قاحلة بالطبيعة، بل إنها مثلما هو حال البلدان الأخرى مرّت بفترة من التصحّر الذي أتى على الأخضر واليابس، وأدى إلى طرد السكان أو القضاء عليهم.
ثانياً: الأمراض الفتاكة: إن الأردن تعرض عبر تاريخه إلى أمراض فتاكة منها من سجّلته الذاكرة وأخرى لم نعثر له على تدوين . كان أكبرها وأخطرها طاعون عمواس في عام 13 للهجرة 636م، الذي أودى بحياة أكثر من ثلاثة ملايين من أهل الأردن، فضلاً عن نسبة عالية من جيش الفتح الإسلامي، وكان من ضحاياه: أمين الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه، وضرار بن الأوز الكندي رضي الله عنه وأضرحتهم في غور أبي عبيدة/ الغور الأوسط بالأردن. كما أودى بحياة معاذ بن جبل الذي يرقد في الشونة الشمالية من غور الأردن وعدد آخر من الصحابة الكرام. حيث سنأتي على تفاصيله إن شاء الله عند دور الأردن وعشائره في الفتوحات والغزوات الإسلامية.
وقد سجّل الطاعون والكوليرا، لها في سفر التاريخ الأردني محطّات أتت على الملايين، وقضت على قرى بأكملها.ولا بد ان هناك من الطاعون والامراض الفتاكة مر بالاردن عبر التاريخ مما لم تسجله الذاكرة والاثار , ولا بد ان سنوات عجاف متتالية مرت بالبلاد فهجرها من بقي حيا ثم عاد الاولاد والاحفاد في وقت لاحق الى حيث ديار الاباء والاجداد وهي الاردن
ثالثاً: الكوارث الطبيعية: حيث أن طبيعة وجود الأردن على حافة الحفرة الانهدامية جعلها عرضة للهزّات والبراكين، ولا زالت الحرّة في البادية الشمالية دليلا واضحا على تفجر البراكين في تلك المنطقة، حيث، يمكن الاستدلال بسهولة على أفواه البراكين الصغيرة النائمة منها والدارسة . كما أن الحجارة السوداء التي أساسها مقذوفات الحمم البركانية تغطي مساحات واسعة وشاسعة من شمال شرق الأردن، وتسمى منطقة الحرة أو منطقة الحمم البركانية Volcanic Lava او منطقة الصفاوي .
وقد دوّن القرآن الكريم عدة حالات أباد فيها الأقوام الكافر في الأردن، وهي قوم ثمود، وقوم لوط، وقوم شعيب عليهم الصلاة والسلام جميعاً. ويمكن أن نخلص بسهولة وببساطة إلى هلاك ملايين البشر بسبب تكذيبهم لرسالات الأنبياء الذين أرسلهم الله لهدايتهم فضلا عما ذكرناه من الاسباب الاخرى السابقة من الامراض الوبائية والتصحر .
يشير القرآن الكريم إلى القضاء على الكفار من ثمود الذين كفروا بسيدنا صالح (نبي عربي) وبرسالته وعقروا الناقة، أنه سبحانه أماتهم في الصيحة كل في بيته. ولم ينج منهم سوى سيدنا صالح ومن أمن معه. (63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68) [هود:64-68].
أما قوم لوط فقد أبادهم الله في ممالكهم / المؤتفكات وهي القرى التي كان أهلها يمارسون الفحشاء التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين. أقول جعل عاليها سافلها وقلبها رأساً على عقب فأبادهم جميعاً، وسلمت المدن والقرى المجاورة التي كانت لا تمارس هذه الخبائث. وقد سجّل القرآن الكريم تفاصيل مجيء الملائكة الكرام إلى سيدنا إبراهيم في أرض كنعان آنذاك (فلسطين). وإعلامه عن أمر الله بإنزال العقوبة بقوم لوط، ثم دخولهم منزل لوط، وخوفه عليهم واصرار قومه على ممارسة الفحشاء معهم. ولكن فرج الله جاء في اللحظات الحرجة , عندما كان لوط لازال يعتقد أن ضيوفه بشرا ولم يخطر بباله انهم ملائكة ، أخبره هؤلاء الضيوف أنهم رسل الله لإنهاء قومه (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) [هود:77 -83].
وبذلك تحولت أرض قرى المؤتفكات من جنات خضراء تجري من تحتها الأنهار كما وصفها العهد القديم إلى بحر مالح لا حياة فيه، وإلى شواطئ وسفوح مسوّدة بسبب ما أصاب المكان من غضب الله سبحانه، واندثر جزء كامل من الشعب في تلك الديار، بسبب كفرهم وعدم توقفهم عن ممارسة الفحشاء. نعوذ بالله منهم.
وقد أصاب الموت، وجاءت الإبادة على قوم شعيب أيضاً في موقعين الأول في مدين التي كانت تمتد من الكرك حتى محاذاة أرض تبوك على ساحل البحر الأحمر. وعندما هلكوا نجا والذين آمنوا معه , وانضموا إلى فرع آخر من قبيلة جذام وهم أصحاب الأيكة فيما يسمى الآن في العصر الحديث، وادي السلط، او وادي شعيب حيث قبر سيدنا شعيب عليه الصلاة والسلام. وهو نبي عربي ويسمى خطيب الأنبياء لفصاحته وبلاغته.
في مدين التي سمي المكان نسبة الى هذا الفرع من قبيلة جذام العربية الاردنية , أصيب قوم شعيب هنا بالرجفة وهي الهزة العنيفة التي يبقي الناس جاثمسن في ديارهم حيث انها من القموة بحيث لم يتمكن منهم احد من النجاة والهرب بروحه . اما في وادي الأيكة فقد أصيبوا باكثر من عقاب : اصيبوا بالرجفةالتي اصابت ابناء عمهم المديانيين ( مدين ) بالرجفة وزاد اله غضبه عليهم بعذاب يوم الظلّة وقد فصّلنا ذلك في جزء من هذه السلسلة وهو الجزء الخاص بالتاريخ السياسي للعشائر الأردنية (من قبل الخروج حتى الآن)
. Political History of the Jordanian Tribes (From before the
Exculus up to now)
يذكر القرآن قصّة سيدنا شعيب مع قومه قبيلة جذام ومن لف لفها من القبائل الاردنية الاخرى في مواقع كثيرة من القرآن الكريم تتلخص أنهم كانوا على طريق القوافل التجارية يبيعون ويشترون ويتبادلون السلع مع هذه القوافل القادمة من الجنوب إلى الشمال وبالعكس وأنهم كانوا ينقصون المكيال فيما يتم قياسه بالكيل والمكيال : كالحبوب والإنتاج الحيواني مثلاً، وينقصون الميزان فيما كان يحتاج إلى ميزان ووزن فيأخذون زيادة من الآخرين، ويعطونهم نقصاً، فهم يخسرون الميزان إن كالوهم أو وزنوهم. قال تعالى في وصف حالهم : ( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88 [هود:84-88].
ثم يقول في سورة هود ايضا : (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) [هود:91-94].
وقوله سبحانه : ((90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) ) [الأعراف:91-92].
أما أهل الأيكة من قوم شعيب فقد ذكرهم القرآن الكريم في سورة الشعراء وهم نمط مشابه أو شبه مطابق لأهل مدين في الموقع على طريق القوافل، والعادات واللغة والتقاليد في بخس الناس أشياءهم، وتطفيف الميزان، وإنقاص الكيل وقطع الطريق، إذ يقول سبحانه في سورة الشعراء:
(كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) [الشعراء:176-178].
ثم صار الجدال بينه وبينهم وتحدّوه أن يسقط عليهم كِسَفاً من السماء (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189)) [الشعراء:185-189].
وبذلك نجد إبادة قوم كاملين من أهل الأيكة لم ينج منهم إلا من امن وما امن الا قليل مقارنة باعدادهم التي تصل الى مسنوى تعريفهم بكلمة قوم والتي تعني فيما تعنيه ايضا : شعب كامل ، أما من كفر وهم الأكثرية في حينه فقد هلكوا جميعاً (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ). وهذا برهان من القرآن الكريم على أن الأردن كان في العصور الغابرة ممراً لطرق التجارة والحضارة، وأن من كفروا قد أبيدوا عن بكرة أبيهم جزاء كفرهم.
ان النصوص القرانية الكريمة التي ذكرناها بشيء من التوسع انما تبرهن انه كانت هناك شعوب على هذه الارض وان الله ارسل اليهم الانبياء لهدايتهمك فكفروا فانزل الله عليهم سخطه واما من امن فقد نجا ,ولا شك ان الكثير من هذه القبائل الموجودة هم منبقيا الفئات التي امنت بالله من قبل فانجاها الله من عذابه
فمن التجني اذن أن يقال أن الأردن بلاد لم تكن فيها ذات يوم حضارة أو شعب أو ثقافة اة اقوام , وقد نزل بها من الأنبياء الكرام: لوط، شعيب، ويحيى، وأيوب، وتربى فيها ولجأ إليها المسيح عليهم الصلاة والسلام جميعاً، وعبرها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مرتان في تجارة قريش إلى الشام. وفيها أضرحة عدد من الأنبياء الكرام. وتربى فيها موسى عليه السلام عشر سنوات عند شعيب الثاني ( جيثرو ) حفيد شعيب الأول، ثم عاد إليها بقومه , ولكن الله سبحانه لم يكتب له الوصول إلى أرض كنعان (فلسطين). ويبقى قبر هارون شاهداً على الشيء الذي أصاب بني إسرائيل عقاباً من الله سبحانه، وعلى أهمية موقع الأردن عبر التاريخ.
رابعاً: الحروب الداخلية والخارجية: الحروب والصراعات جزء من طبيعة العلاقات بين المجموعات البشرية والشعوب، وتقع لأسباب متعددة، قد تبدو مصيرية في حينه ثم تصبح تافهة في أعين المؤرخين أو الأجيال الذين اكتووا بنيران نتائجها فيما بعد.
وقد كان الأردن مسرحاً لمعارك قتالية ضاربة سواء من الحملات العسكرية التي شنَّها البابليون والآشوريون من العراق، أو تلك التي قام به فراعنة مصر وملوكها لتأمين جبهتهم الشمالية الشرقية التي تربطهم بالأردن من خلال أيلة/ العقبة، وعصيون جابر/ إيلات او من الهجرات القبلية من جزيرة العرب
كما أن الفرس ثم اليونان ثم الرومان شنّوا حملات أسموها تأديبية لسكان الأردن أو المجموعات أو إمارات أو ممالك قامت على أرض هذه البلاد (الأردن) في تلك الازمنة الغابرة . ومن الأمثلة على ذلك أن الرومان قتلوا عام 106م عشرة آلاف من الأنباط دفعة واحدة ألقوا بهم من رؤوس الجبال إلى بقعة الأودية من رجال ونساء وأطفال وعجزة ويفتخرون بذلك في تاريخهم الاسود المكلل بالعار .
ومن الأمثلة على شنّ الحروب الخارجية على الأردن، ما ذكره العهد القديم حول هجوم الجيش الإسرائيلي بعد خروجه من التيه ودخوله الأردن وإبادته الكاملة لشعب مملكة حشبون والبالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة , هذا فضلاً عن الغزوات التي شنها ملوك بني إسرائيل من أرض كنعان في محاولاتهم المتعاقبة لاحتلال الأردن وتأمين جبهتهم الشرقية من القوى المعادية.
على أية حال فإن ما يشتمله العهد القديم من معلومات تلقي الضوء على سكان الأردن وأحوال البلاد في العصر البرونزي الأوسط وعلى ازدهار البلاد واكتظاظها بالسكان
يقول العهد القديم أن عشائر الأردن كانت في الفترة ما بين 2000-1300 ق.م من العمالقة الذين يتألفون من عشائر عديدة منهم الأيميون في مؤاب والروفائيون والزمزميون في عمون وكانوا من العشائر العربية التي نزحت أو هاجرت من جزيرة العرب. وكان في الأردن عدة ممالك عربية مثل مؤاب الجارة الشمالية لأدوم، والممتدة (أي مؤاب) من وادي الحسا إلى وادب الموجب، ثم مملكة أدوم الممتدة من نهر الحسا شمالاً إلى الحدود الجنوبية لأدوم المقاربة لوادي اليتم ورم. أما عمون فكانت تمتد من نهر الموجب إلى نهر الزرقاء.
كانت مملكتا مؤاب ومدين تنحدران من أصل واحد، وهما وأدوم ممالك عربية في الآن نفسه. وكانت هذه الشعوب العربية الأردنية تعيش حياة قبلية. ولكل قبيلة شيوخها وأمراؤها وشيخ المشايخ أو الملك الذي كان صاحب قرار نهائي في جميع شؤون إدارة مملكته/ أو دولته، كما كان يقود الجيش في المعارك ولا يختبيء وراء الاكمة او الجدران . وكانت اسماء مؤاب وادوم وحشبون وعمون وباشان والانباط هي اسماء القبائل الاردنية التي استقرت كل منها في منطقة ثم تطورت الى الاستقرار وتاسيس الممالك . وقد اطلقوا ساماءهم كل على المنطقة التي سكنوها واستقروا فيها .
وهنا لا بد من الإشارة إلى ما ذكره دكتور صهيوني اسمه نلسون جلوك في كتابه الجانب الآخر من الأردن، The Other Side of Jordan. اذ يقول : ان الأردن كانت بعد خروج بني إسرائيل، وعبورهم أرض الأردن بلاداً بلا سكان ولا أهل No Man's Land، وأن أهلها أو سكانها لم يكونوا سوى قبائل بدوية متوحشة ومتنقلة , وهو بذلك يناقض ماورد في العهد القديم كتابه المقدس
فاالدلائل التي يسوقها العد القديم تبيّن أعمار البلاد (الأردن) وازدهارها بالسكان والمدن والممالك والزراعة والطرق التي تخترقها طولاً وعرضاً منها طريق الملوك والطريق السلطان والتي وردت بهذا الاسم في العهد القديم , والطريق الصحراوي وطريق البرية الذي يخترق سلسلة الجبال من الشمال إلى الجنوب، فضلاً عن الطرق العرضية بين فينة وأخرى. وقد شرحنا ذلك مفصَّلاً في كتابنا الأردن في كثب الرحالة والجغرافيين المسلمين حتى عام 1881- صدر عام 2007.
وإذا أردنا أن نتفحص ما ذكره المؤلف اليهودي أعلاه (نلسون جلوك) نجده يتحدث عن وجود حضارة واستقرار في الأردن خلال الفترة ما بين 1700-1250 ق.م، أي قبل الغزو الإسرائيلي لهذه الديار. وتجدر الإشارة أن مملكة عمون ومركزها ربة عمون (عمان الحالية) كانت فيما بين 1800-1300 ذات مدنية زراعية مزدهرة، وهذا يدحض كلام وراي العصبية الحاقد الذي أورده نلسون في كتابه أعلاه. وقد نشبت المعارك فيما بين الإسرائيليين وسيحون ملك مملكة (حبشون) الآمورية (عاصمتها حسبان)، حيث رفض مرور بني إسرائيل عبر مملكته فهزموه وأبادوا شعبه ودمّروا مملكته الفتية التي كانت تمتد من أرنون (الموجب) جنوباً إلى حدود مملكة عمون إلى يبوق (وادي الزرقاء). ويذكر العهد القديم , مدن ديبون (ذيبان) ومادبا، وحشبون في منطقة مجاورة لبعضها بعضاً وهذا وحده كافٍ كدليل على كثرة السكان وإعمار البلاد في تلك الفترة وتقارب المدن بسبب الازدحام السكاني . وقد جئنا على ذلك بالتفصيل في جزء: التاريخ السياسي للعشائر الأردنية من هذا الكتاب باللغة الانجليزية .
أما الحروب الداخلية بين سكان البلاد الأردنية فقد أخذت أشكالاً عديدة. حيث كانت المعارك الطاحنة قد دارت رحاها بين عشائر الكفتاريين وأعدائهم وكلهم من أبناء البلاد، كما أن الأدوميين طردوا الحوريين سكان الجبال وحلّوا محلّهم، ثم حلّ الأنباط مكان الأدوميين.
ومن الحروب ما كان بين مملكة حشبون الامورية التي كان مركزها حسبان من جهة ومؤاب من جهة أخرى، حيث استطاع الملك سيحون ملك الآموريين من توسيع رقعة مملكته الى الجنوب على حساب المؤابيين , وتجاوز بحدوده إلى الجنوب من وادي الموجب، كما توسع شمالاً على حساب العمونيين لكنه فقد نفسه وأسرته ومملكته وعرشه وشعبه وأبيدوا جميعاً على أيدي الإسرائيليين كما سبق وأشرنا وماهو مفصل في كتاب العهد القديم
كانت الممالك الأردنية تتحارب معاً كل يريد التوسع على حساب الآخر، وكان هذا التوسع عادة طولياً، أي شمالاً نحو الجنوب، أو جنوباً نحو الشمال. ولكنهم كانوا يتكاتفون وقت الخطر في تحالف واحد أمام أي عدو خارجي , وهي العقلية الاردنية عبر العصور في انهمينسون عداواتهم امام الخطر الخارجي ,
بقيت هذه الثقافة لدى العشائر الأردنية إلى العصر الحديث عندما كانت تقف صفاً واحداً أمام أي عدو خارجي يتهدد أية عشيرة منهم ، وينسون خلافاتهم وحروبهم حتى يتخلّصوا من العدو القادم إليهم. ونتج عن ذلك وجود مبدأ أردني عشائري على شكل مثل بقي عبر الأجيال والقرون وهو: "أنا وأخوي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب" حتى ولو كان ابن العم صديقا او عدوا فهم معا امام الخطر الخارجي او العدو الخارجي لان الجميع سيكونون في خطر .
واستمرت ثقافة الصراع الداخلي والحروب الداخلية المسلحة حتى انتهت بقيام الإدارة الرسمية في الأردن في مطلع القرن العشرين بعد اندحار الأتراك. وقد أخذت هذه الصراعات شكل الغزوات والحروب، وفصّلنا ذلك في كتابنا: القضاء عند العشائر الأردنية والذي كتبناه أصلاً بالإنجليزية تحت عنوان: Bedouin Justice, in Jordan 1921-1982، وقد صدر كتاباً باللغتين عن دار جرير عام 2006 بعنوان القضاء
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى